تحضير زواج

جعلت على رأسيهما اكليلاً من حجارة كريمة حياة سألاك فأعطيتهما طول الأيام

الـخـطـبـة والـزواج

خُلقنا : يوجّه السيد المسيح إلى كل منا دعوة :

للحب : " تعال اتبعني " . إنها دعوة إلى الحب .

 

ـ فمن الناس من يلبّون الدعوة في الخدمة الكهنوتية أو التكريس الرهباني، وهم قلة ( دعوة خاصة ) .

ـ ومنهم من يعيشون الحب في الزواج، ضمن أسرة، وهم كثر ( دعوة عامة ) .

* في كلتا الحالتين دعوة إلى بلوغ الكمال في اقتفاء خطى السيد المسيح  " الطريق والحق والحياة " .

يتطلب الزواج، ككل مشروع هام في الحياة، استعداداً جديّاً يكفل لطالبيه النجاح في تحقيقه .

ولما كانت الخطبة مرحلة مصيرية للتأهب للزواج المقدس وجب على الخطيبين أن يولياها الإهتمام الكامل .

 

أبحر يا قلبي : ستزهر الأشجار، ستثمر الأزهار، ستنضج الأثمار، وبفضل إيمانك تهنأ على الدوام، مركبك متعطش للماء، عاشق الشواطئ،

 

متلهف لبحار جديدة، وبفضل شراع الأمل تبلغ مرفأك .

 

حطم مرساة مركبك، أهجر الموانئ الهادئة، سر وابتعد، فالحب يسيّر حياتك !

 

الـخـطـبـة :

من عادة الخاطبين أن يقوما، في فترة الخطوبة، بزيارات تعارف، وسهرات، وحضور أفلام، ونزهات، وولائم، وأن يُعدا الهدايا وحفلة الزفاف وعلب العرس وجهاز العروس …

وغالباً ما تبقى المساعي والجهود التي تُبذل مقتصرة على المظاهر والشكليات، في حين أن الخطبة هي أولاً استعداد لتقبل سر الزواج، وذلك عن طريق المعاشرة والتعارف والتفاهم والتأمل في سر الله : الحب .

" إن لم يبن الرب البيت، فباطلاً يتعب البناؤون " ( مزمور 126 : 1 )

ويتطلب بناء البيت وتأسيس الأسرة العمل مع الله . فالصلاة في عهد الخطبة عامل هام للحصول على نعم غزيرة تسند الضعف، تقوّي الإرادة، تنير العقل، تشدد العزيمة في المقاومة، تقرّب وجهات النظر بين رفيقين، تعطي الرؤية الصافية في الأمور، وتساعد على بدء مشاركة روحية تحت نظر الله .

قال الله لابراهيم : " سِر أمامي، وكن كاملاً !" .

فالسير أمام الله يعني العيش بحضرته وحفظ وصاياه القدوسة .

وتجدر الاشارة، في زمن الخطبة، إلى مكانة التأمل في سر حب الله العظيم الذي يكتشفه الخطيبان الواحد في الآخر . وقد جسّده السيد المسيح في حياته، وهو الذي قال : " ما من حب أعظم من حب من يبذل نفسه في سبيل أحبائه " ( يوحنا 15 : 13 ) . فيتمرس الاثنان بحياة الروح في تأمل مشترك ليشعرا بنشوة العذوبة في العلاقة الانسانية، والصفاء في النية، والحب الروحي في النفس، قبل أن يسارعا إلى التفكير في التعبير عن الحب الغريزي بالعلاقات الجنسية، لا سيما وأن فترة  الخطبة لا تجيز مثل هذه العلاقات . فامتلاك الخطيبين ذاتهما في أثناء الخطبة يساعدهما على إنجاح حياتهما الزوجية .

اتّباع دورات إعدادية للزواج

ـ هل تفتح متجراً إن لم تكن تُلمّ بالتجارة ؟

ـ هل تفتحين صالون تجميل إن لم تُتقني فنّ التجميل ؟

1.       فكيف تُقدمان على الزواج وليس لكما إلمام الكافي بقضايا الزواج ومبادئ تربية الأولاد ؟!

فعليكما إذن أن تتمرّنا على الرسالة الجديدة، وتتعلماها في أصولها، وأن تتقنا طرقها، وذلك بمراجعة الأهل وكاهن الرعية، قصد الاستشارة، ولتوضيح غوامض الأمور المتعلقة بالحياة الزوجية .

ولا بد لكما من اتباع دورات إعدادية للزواج يهيئها كهنة الرعايا المخطوبين . فالدورات والمطالعات تلقي أنواراً على نفسية كل منكما، وتبدد الغموض وتصحح المعلومات الخاطئة حول هذا السر المقدس، كما أنها توفّر لكما الاطلاع الكافي لمعرفة حقائق الأمور من النواحي الروحية والنفسية و الخلقية … إنها لخطة مثلى، وخطوة ضرورية . إنكما لتضلاّن إن عقدتما أن القلب يتعلم مهنته دون معلم ومرشد . فالحب لا يعلم نفسه بنفسه .

 

* وتتضمن الدورات بعضا من الأمور التالية :

نفسية الرجل والمرأة، الحب وأطواره، ماهية الزواج، العلاقات الزوجية، سر الزواج في الكنيسة، الايمان والحب، فن تربية الأولاد، المسؤولية والالتزام، مشاكل الزواج …

كيف يتم الاختيار بين الخطيب والخطيبة :

ـ فكري جيداً وتبصري مليّاً عندما تريدين أن تختاري الشخص الذي سيلتزم بالعيش مع طوال حياتك، لئلا تضطري فيما بعد إلى الندم، تروي قبل أن تقرري … واعلمي أن دعائم سعادة الخطيبة في المستقبل لا تقوم إذا وجدت الشابة ضالتها المنشودة في طبيب أو مهندس أو سليل أسرة ثرية : له بيت وسيارته ومركزه الاجتماعي .

وسعادتك، أيها الخطيب لا تتوقف على الجمال الخارجي في خطيبتك، ولا على المال أو الشهادات . فأهم الشهادات هي الصفات الحسنة والأخلاق الكريمة والتربية الحميدة .

" فالجمال بلا كمال كزهرة بلا رائحة " . فاستشر أهلك وأصدقاءك الأوفياء ذوي الخبرة والاطلاع . واعلم أن الاختيار يعود إليك وحدك . فاختر برصانة واتزان .

وابحث،قبل كل شيء، في رفيقك عن الصفات الروحية :

محبة الله والايمان بالمسيح،

ذلك الدين هو أساس الزواج المسيحي . ووحدة الدين بين الفريقين هي أمر ضروري للحياة الزوجية . فإذا كان الدين عنصراً أساسياً لحياة الشخص، فهو، بأولى حجّة، لا غنى عنه في الحياة الزوجية من حيث الانسجام ين حياتين في مصير واحد، فكراً ومعتقداً وإيماناً ونمط الحياة . والاختلاف في الدين يعرّض للمنازعة والشقاق . وقد يؤدي إلى اختلاف متواصل بين الزوجين في أهم مشكلات الحياة، لا سيما في تربية الأولاد .

وليتذكر الخطيبان قول طوبيا لرفيقة حياته :

" إننا أبناء قديسين . فيجب ألا نقترن كالوثنيين الذين لا يعرفون الله " ( طوبيا 8 : 5 ) .

** فالخطوبة هي إذا تفكير وانتقاء ووعد ومسيرة، وفترة انتظار واختبار وتهيئة وتمرّس لتفجير كلمة " نعم " أمام هيكل الله قبل الحصول على بركة الاكليل .

روحانية الخطبة

الخطبة تجربة روحانية يعيشها الخطيبان، بحب مستمر، في غمرة الأفراح والسعادة والحماس والاكتشافات والانتظار والأمل . إنها موعد فريد من نوعه، لا يتكرر . والحب في الخطبة هو حب صاف وعذري .

والخطبة تمكّن الخطيبين من التقرب إلى الله للإشتراك في حبه، فيتعلم الخطيبان الكثير من خبرة هذا الحب .

2.       يتوجدان : وفي اختبارهما يختبران حضور الله فيهما .

3.       ينفتحان : وفي انفتاحهما الواحد على الآخر يتمرنان على فتح باب قلبيهما للمسيح .

4.       يتعرفان : وفي تعرفهما الواحد على الآخر يكتشفان الله .

5.       يتحابان : وفي تحابهما يتعلمان حب الله الذي أحبهما أولاً، وحب المسيح الذي بذل حياته من أجلهما .

6.       يشتركان : في صلاتهما يشركان الله نعمة الحب التي أفاضها في قلبيهما .

7.       يفرحان : : وفي فرحهما يدركان أن الحياة مع الله فرح مستمر .

8.       يتألمان : وفي صلب حياتهما وعلاقاتهما يكتشفان حدودهما والتباين في طبعيهما، وعدم اكتمالهما في الشخصية والحب، فيحملان صليبهما منذ تعارفهما .

9.       يتعلمان : في ارضاء الواحد الآخر على علاّته … كما قبلهما الله على علاّتهما .

10.   في احترام المواعيد يتعلمان أنهما دوماً على موعد مع المسيح . في السير معاً يدركان ضرورة السير مع الله، الرفيق الوفي .

11.   يصبران : في تشوق الانتظار ( لليوم العظيم : الزواج ) يختبران معنى الصبر والتضحية .

12.   يلتزمان : وفي التزامهما المتبادل يدركان واجب التزامهما بنشر رسالة حب المسيح .

 فروحانية الخطوبة هي روحانية انتظار لا تشوبه شائبة، مكثّف بالاستعداد الجدي، مُرَوْحن بالصلاة، مقدس بحضور الله . إنها روحانية ترتكز على ممارسة سر التوبة، للحصول على الغفران والمصلحة، ولتجديد عهد الحب، كما ترتكز على سر الافخارستيا بالاشتراك في حب المسيح . فيتعلم الخطيبان بممارسة هذين السرين كيفية العيش بنقاوة القلب وتضحية الارادة ومسامحة الآخرين، ويكتملان معاً في المسيح .

الوثائق المطلوبة من الخطيبين

1ـ وثائق كنسية :

1.      شهادة ولادة عماد وميرون ( تثبيت ) الخطيبين .

2.       شهادة بمطلق حال لكل منهما صادرة عن السلطة الكنسية المختصة .

3.       شهادة بالتفسيح من الموانع الكنسية إن وجدت .

4.       شهادة بإجراء المناديات أو التفسيح منها لدى الموارنة واللاتين .

2 ـ وثائق مدنية :

1.      صورة عن الوثائق الشخصية للشاب والشابة (صورة عن الهوية).

2.       تقرير طبي للفريقين مصدق من مديرية الصحة .

3.      إذا كان أحد الطالبين أجنبياً توجب عليه أن يحصل على موافقة كاهن رعيته للزواج في رعية أخرى.

4.      حصول الطرف الغير مسجل في الرعية (المراد الزواج فيها) على شهادة من السجل المدني تثبت عدم وجود أي سجل للزواج بإسمه.

 

13.   صلاة الكونت إيتيين تزيشني :

يا إلهي، اسمح ( لي ) أن تشارك حياتي ( فلانة )، وأن أجد بالقرب منها التعزية والطمأنينة اللتين لن أتمكن من الحصول  عليها بدونها، وأن أكرس حياتي ( معها ) لك ولمجدك .

وإذا كنت لن أتمكن، وأنا بالقرب منها من أن أصبح أفضل مما أنا عليه الآن، كما إذا كانت هي لن تتمكن من أن تصبح أفضل مما هي عليه الآن، بالقرب مني، فأسألك أن تفضل واحدنا عن الآخر على أمل أن نلتقي معاً بطرق أخرى في الأبدية .

 

الـزواج :

من عقد طبيعي

الزواج عقد طبيعي يبرمه الرجل والمرأة عن رضى تام، يقوم على عطاء متبادل، يقرّ فيه كل فريق بحقوقه على الآخر، ويعترف الطرفان بواجبات مشتركة، لتحقيق الوحدة في الحب، والتكامل في الحياة، والمساهمة في إيلاد البنين وتربيتهم .

والزواج حياة إجتماعية بين الرجل والمرأة، في مشاركة تامة كاملة، وفي حياة حب مؤسس على العطاء المتبادل والشامل : روحاً وجسداً . يحقق الانسان بالزواج رغبة طبيعية في أن يستمر بالبقاء . وبالتالي يستمر الجنس البشري .

وقد وضع الميل الجنسي  ليحث الانسان على الزواج، والزواج وحده يبرر تلبيته .

فلا يكون التقارب الجنسي خلقياً بالانسان إلا إذا سبقه وأعد له تقارب الأرواح . وكان حصيلة تكامل نفسي وخلقي واجتماعي . فالزواج عقد طبيعي واجتماعي معاً .

إلى اشتراك في فعل الحقائق

أراد الله، عز وجل، أن يُشرَك الزوجان الأوّلان في فعل الخلق، فأسس الزواج، وبارك البشر، وقال : " انموا واكثروا واملأوا الأرض" ( لتكوين 1: 28 ) . فربط الزواج بفعل الخلق، ولستمر الخلق باشتراك الخليقة في الخلق، عن طريق إيلاد البنين .

ويتبين من نصوص الكتاب المقدس ( تكوين 1: 26 ـ 28، 2: 8 ـ 24 ) أن الله خلق الانسان " ذكر وأنثى " ( تكوين 1: 26 )، أي خلقهما جنسين متباينين ومتكاملين , ودعاهما إلى الاتحاد والعيش المشترك في المحبة والتعاون والتضحية، بحيث يصبحان جسداً واحداً وروحاً واحدة . فيتطلب هذا الاتحاد منهما عطاء متبادلاً تاماً .

14.   والعلاقة الجنسية بينهما تعبر عن الحب والعطاء المتبادلين وعن الاتحاد التام بينهما، فتنتج عن هذا الاتحاد حياة جديدة : الأولاد .

وإلى اشتراك في الحياة الإلهية

وحيث الحب، فهناك الله .

وعلاقة الحب بين الزوجين هي رمز وعلامة لعلامة الحب اللامتناهي في الثالوث الأقدس .

فيعبر الزوجان في حياتهما المشتركة عن حب الله لهما، ويعيشان هذا الحب بملء كيانهما .

" إن هذا السر لعظيم "

وجاء السيد المسيح، فقدّس الزواج بحضوره عرس قانا الجليل، وأعاد إليه حرمته الأولى التي وضعها الله له منذ البدء، مشدداً على وحدته واستمراريته، إذ قال :

" ليسا هما اثنين بعد، ولكنهما جسد واحد " ( مرقس 10: 8 ) .

" فدنا الفريسيون وسألوه مجربين له، هل يحل للرجل أن يطلّق زوجته ؟

فأجابهم قائلاً : إن موسى قد أذِن أن يكتب كتاب الطلاق وتخلّى .

فأجاب يسوع، وقال : إنه لأجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية، ولكن في بدء الخليقة، ذكراً وأنثى وخلقهم الله . لذلك يترك الرجل أباه وأمه، ويلزم امرأته، فيصيران كلاهما جسداً واحداً . فليسا هما اثنين بعد، ولكنهما جسد واحد . وما جمعه الله لا يفرقه إنسان    (مرقس 10: 2 ـ 9 ) .

واعتبرت الكنيسة، منذ نشأتها، الزواج سرّاً من أسرارها . وقد رأى بولس الرسول في اتحاد الزوجين صورة لوحدة المسيح بالكنيسة، إذ قال : " فانتن، أيها النساء، اخضعن لرجالكن، كما للرب ( … ) وأنتم، أيها الرجال، أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة . لقد بذل نفسه لأجلها ( … ) إن هذا السر العظيم " . ( أفسس 5 : 22 ـ 33 ) .

السر :

تحمل كلمة سر ثلاثة معان :

1ـ السر بمعنى قول أو حدث أو شيء يحتفظ به شخص أو أكثر في قلبه دون المجاهرة به، فيبقى سرياً .

2ـ السر ( في أسرار الديانة ) بمعنى حقائق دينية تفوق مقدرة عقلنا البشري، فنؤمن بها لأن الله أوحى بها، والكنيسة تعلمنا أياها .

3ـ السر ( في أسرار الكنيسة ) هو علامة حسيّة خارجية تشير إلى نعمة داخلية يمنحها السيد المسيح للنفس بحسب احتياجاتها . فسرّ هنا بمعنى عمل تقديس .

أسرار الديانة المسيحية ( أي حقائق دينية تفوق مقدرة عقلنا …)

أهم أسرار الديانة هي ثلاثة :

1ـ سر الثالوث الأقدس، أي سر الإله الواحد في ثلاثة أقانيم متساوية : الآب والابن والروح القدس .

2ـ سر التجسد، أي سر تجسد كلمة الله ( الابن ) في أحشاء مريم البتول .

3ـ سر الفداء، أي سر الموت وقيامة مخلصنا يسوع المسيح لأجل خلاصنا .

15.   فكل مرة نرسم إشارة الصليب على صدرنا نجاهر بإيماننا بهذه الأسرار الثلاثة .

أسرار الكنيسة ( أي أعمال التقديس )، وهي سبعة :

المعمودية، الميرون ( التثبيت )، التوبة، الأفخارستيا، مسحة المرضى، الكهنوت، والزواج .

وهي أشبه بسبعة أنهر غزيرة تنبع من جنب الفادي الإلهي الذي مات وقام ليفيض على المؤمنين نعم إخلاص، فيقدس بها نفوسهم ويشركهم اليوم في موته وقيامته .

16.   وسر الزواج هو أحد أسرار الكنيسة .

ـ الإشارة الحسية الخارجية في هذا السر هي كلمة " نعم " التي يتبادلها الخطيبان في حفلة زفافهما .

ـ وبكلمة " نعم " يتمّ عقد الزواج الذي يربط حياة الزوجين المشتركة برباط الحب، وفي الوقت نفسه يتم سر الزواج، أي أن الله يفتح كنوز نعمه عليهما .

ـ وسر الزواج هو من أسرار الأحياء، أي يشترط روحياً لقبول خيرات هذا السران يكون الخطيبان مصالحين مع الله، أي في حال النعمة .

زواج في الرب :

يشبّه بولس الرسول علاقة الزوج بالزوجة بعلاقة المسيح بالكنيسة، وهي علاقة حب وتضحية من قبل المسيح .

وعلاقة تعاون وتجاوب لتوجيهات المسيح في سر الفداء من قبل الكنيسة .

يعقد الفريقين زواجهما " في الرب " ( ا كور 7: 39 )، فيتم السر بالموافقة المتبادلة والصلاة ونعمة الروح القدس .

وهكذا يشركهما في اتحاد المسيح في سر الفداء، سر موته وقيامته، فيشتركان في اتحاد المسيح بكنيسته .

فالزواج المسيحي هو تكريس الرباط المشترك الذي يوحد الزوجين، إن العلاقة المقدّسة والمقدِّسة تقدس الزوجين .

والحب الزوجي البشري يصبح، بالسر، حيّاً مكرساً، مرتبط بالمسيح، مستمداً منه القوة ليكون على مثال حب المسيح للكنيسة في العفة والخدمة والتضحية . وتجعلهما نعمة الزواج أكثر حباً لله، في حبهما، وأكثر اتحاداً به، في اتحادهما .

الزوج ـ المسيح ـ الزوجة

والمسيح، بتواجده في حب الزوجين المؤمنين، ينقي الحب البشري من كل شائبة . ويحيا مع الزوجين وفيهما , إنه يعمل معهما كل سنة من سنين حياتهما، وكل شهر من السنة، وكل يوم الأسبوع، وكل ساعة من اليوم، وكل دقيقة من الساعة . إنه يعمل معهما وفيهما على الدوام، إذا أفسحا له المجال وفتحا له باب قلبيهما .

وبحياة المسيح فيهما يصبح الزوجان مسكناً للروح، ويضحي منزلهما معبدا للرب، ويكوّنان من عائلتهما كنيسة مصغرة لكنيسة المسيح.

متى يتم عقد الزواج وسره ؟

يتم عقد الزواج وسره في آن واحد عندما يتبادل المتعاقدان المؤمنان الرضى، ويحصلان على بركة الكاهن المنتدب، وبحضور الشاهدين ( الاشبينين ) . ولكي يصبح الزواج صحيحاً، يجب أن يكون :

1ـ عن معرفة : أي أن يعرف المتعاقدان أن الزواج هو شركة حب مستمرة بين الرجل والمرأة، هادفة إلى تصعيد الحب وتنميته، وإلى إيلاد البنين وتربيتهم .

2ـ بملء الحرية : أي بدون ضغط ولا إكراه . فإن فعل الارادة الحر، الذي يسلم به كل من الطرفين إلى الآخر حق الزوجية الخاص، ويتسلمه منه، هو ضروري لعقد الزواج، ولذلك إذا قدم أحد الخطيبين على الزواج خلافاً لإرادته وحريته ـ أي تحت الضغط ـ يكون زواجه فاسخاً من أساسه . ويجب أن يدرك المتعاقدان أن شرائع الزواج لا تخضع لحرية الانسان لأن الله رسمها، ولا يمكن أن تغيّرها ارادة بشرية أية كانت .

من يمنح سر الزواج ؟

يمنح الخطيبان المتعاقدان أحدهما الآخر سر الزواج بكلمة " نعم " على السؤال الذي يوجّهه إلى كل منهما الكاهن المكلَّف رسمياً من قبل الكنيسة . وكلمة نعم التي يتم بها عقد الزواج وسره تشير إلى الموافقة على الحياة المشتركة في العطاء المتبادل بعون السيد المسيح الذي يحب الزوجين عطايا روية عديدة فترتبط حياتهما في السَّراء و الضَّراء حتى الموت . و كلمة نعم هي بمثابة مفتاح لباب الزواج ، يجدد الزوجان كل يوم بحبهما و حياتهما و علاقاتهما المتبادلة في جهد يتطلَّب نضالاً مستمراً .

النعم الإلهية المرتبطة بسر الزواج :

يفتح الخطيبان المؤمنان حبهما لقبول حضور المسيح فيهما فيحصلان على سر الزواج .

ويبدأ مفعول السر في الزوجين معاً، علاقة وحياة، منذ الاحتفال بالبركة . ويستمر مادام الفريقان في قيد الحياة . ينفذ مفعوله فيهما فيربطهما، ويقدّس أعمالهما وأولادهما، وهكذا يصبح الفادي الإلهي قلب الأسرة النابض، وصديقها، وسندها، ويشترك في مراحل حياتهما، فيؤتيهما بروحه القدوس الوحدة والمشاركة في التقديس والفرح والتعاون والإحتمال المتبادل والأمانة مدى الحياة .

 

غاية الزواج

 

سن الله شريعة الزواج، وأقام لها غاية :

الزوجين في الحب، وإيلاد البنين وتربيتهم . هذا ما علّمته الكنيسة عبر الأجيال، وأوضحه المجمع الفاتيكاني الثاني : " ان غاية نظام الزواج والحب الزوجي هي، بحكم طبيعتها نفسها، إنجاب النسل وتربيته اللذان هما قمة وتاج الزواج والحب " .

( الكنيسة في عالم اليوم، 48 )

ولكي يضمن سبحانه تحقيق هذه الغاية الشريفة أراد أن يجعل لعقد الزواج صفتين جوهريتين، هما وحدة الزواج وثباته، وهما ناتجتان عن طبيعة الزواج نفسه .

صفات الزواج

1ـ وحدة الزواج :

يقول الكاتب الملهم في موضوع خلق الانسان :

" في البدء خلق الله الإنسان ( … )، ذكرا وأنثى خلقهم " ( تكوين 1: 26 ) . ويعني بذلك وحدة الذكر والأنثى اللذين خلقهما الله في الإنسان . ولقد رسم الخالق هذه الوحدة في بدء الخليقة، عندما قال : " لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته، فيصيران أثنين في جسد واحد " ( تكوين 2: 42 ) .

وأوضح بولس الرسول هذه الحقيقة بقوله : فلتكن لكل رجل امرأته، وليكن لكل امرأة رجلها " ( كور 7: 2) . واحد لواحدة، وواحدة لواحد، لأنهما متساويان في الحقوق الانسانية، ولأن الحب الزوجي الحقيقي يقتصر على شخصين، دون سواهما، يتبادلان فيه عطاء ذاتيهما عطاء كاملا . فوحدة الزواج إذا تحقق معنى الحب في أسمى غاياته . وينتج عن هذه الوحدة الأمانة الزوجية .

أمانة الزوجين :

التزم كلا الزوجين يوم الاكليل أمام الله والكاهن والشهود بأن يحفظا هذه الأمانة المتبادلة حتى الموت . والمحبس ( الخاتم ) هو رمز وعلامة لهذه الأمانة , وتتطلب الأمانة جهوداً يومية مكثفة إزاء ما قد ينشأ عن الحياة المشتركة ومسؤولياتها من صعوبات وعقبات . ومن البديهي أن الخيانة الزوجية، حتى في الفكر، هي إثم في عين الله، وانتهاك لحرمة الحب الزوجي، وإهانة لكرامة الفريقين الآخر. " كل من نظر إلى امرأة كي يشتهيها فقد زنى في قلبه " ( متى 5: 28 ) .

لا شك في أن نعم سر الزواج تساعد على أن يبقى الزوجان أمينين الواحد للآخر مدى الحياة، أمينين في حبهما واتحادهما. فيضع الواحد ثقته التامة في الآخر، ويشعران بثقة متبادلة تجعلهما يرتاحان، إنها ثقة تؤدي إلى الهناء والسلام في علاقاتهما وضم عائلتهما .

" إن الحب الزوجي هو أيضاً حب أمين مانع حتى الممات : هكذا يفهمه الزوج والزوجة يوم يرتبطان بملء الحرية والوعي بعهد الزواج . أمانة قد تبدو في بعض الأحيان صعبة . ولكن ليس من ينكر أنها دائماً ممكنة ودائماً نبيلة ومبررة .

ولطالما متزوجون عديدون عبر الأجيال يحبهم الدليل على أن هذه الأمانة ليست موافقة لطبيعة الزواج فحسب . بل أنها ينبوع سعادة عقيمة تبقى " ( بولس السادس : في الحياة البشرية ) .

و من أنجح الوسائل للإستمرار في تنمية الأمانة الزوجية الاقتراب من سر الأفخارستيا : وهو سر الحب والوحدة المسيحية والوحدة الزوجية .

فيشترك الزوجان في ذبيحة القداس الالهي، ويقدمان على مذبح الرب، مع ذبيحة الابن لأبيه السماوي :

أفراحهما وأتراحهما، صعوبات واشغالهما، تجاربهما وضعفهما، حياتهما وحبهما .

فينيرهما المسيح ويقويهما ويقدسهما ويغذيهما من جسده ودمه وحياته . وهما يغذيان حبهما بحب المسيح الذي يجمع قلبيهما ويوحدهما.

فيتجدد الزوجان في أمانتهما، ويتقدسان في حياتهما، وينموان في حبهما المتبادل .

17.  وتجدر أيضاً الإشارة إلى أهمية الإماتة الجسدية ( صوم، قطاعة، إماتات، تضحيات، إلخ )، وإلى حمل صليب السيد المسيح، وتنمية روح التضحية، وإلى واجب الصلاة المشتركة اليومية في البيت : الزوجان معاً، والزواجان مع الأولاد .

18.   كما أن التقرب من سر التوبة يشدد العزيمة، ينهض من الضعف، يقوي الإرادة، يساعد على التغلب على التجارب، يهذّب الميول الرديئة، وينقّي القلب .

2ـ ثبات عقد الزواج :

يعني ثبات عقد الزواج ضرورة الاستقرار في الحياة الزوجية من أجل سلامة الزواج للنمو الانساني لدى الأهل والأولاد . ويستمد الزواج ثباته من الشريعة الطبيعية ومن طبيعة الزواج ومن ضرورة الاستقرار في الحياة الزوجية والهناء الشخصي والنضج الانساني. والثبات في الزواج يخلق جوّاً سليماً لتربية الأولاد، ولقد يجابه الزوجان أحياناً صعوبات يفكرون أنها مستعصية، لكنها تذوب مع الوقت عن طريق التحمل والصبر والرويّة والتضحية والصلاة .

متطلبات السعادة الزوجية

الاشتراك في عمل التقديس

الزواج طريق إلى القداسة يسير فيه الزوجان جنباً إلى جنب . لأن حياتهما أشبه بجناحي طير يخفقان في انسجام . وبرئتي إنسان تعملان على تنفس مشترك . وبما أنهما أصبحا جسداً واحداً وروحاً واحدة . فهما يسعيان معاً إلى أهداف واحدة .

ولما كان الزوج يدقس الزوجة، والزوجة تقدّس الزوج ( كور 7: 14 )، فذلك لأن كليهما شطر من كل ويقتضي بينهما التجاوب والتفاعل من اجل عمل مشترك في سبيل القداسة .

فالواحد يصلي مع الآخر ومن أجله، وكل منهما يرفع الآخر إلى الله الذي يعمل معهما لأنهما ( يدا الله )، كما أن المسيح والروح القدس هما ( يدا الله )، حسب تعبير القديس إيروناوس .

فالعائلة هي هيكل ومذبح مقدّس، له قدسيته وحرمته . فبقدر ما يحترم الفريق فريقه ويضحي في سبيله، بقدر ذلك يتقدس المنزل .                      الفرح والهناء والعيش معاً :

من ميزات المسيحي الفرح الذي أتانا بميلاد الفادي وموته وقيامته . والفرح من العطاء " إن العطاء أعظم غبطة من الأخذ " ( أعمال 20 : 35 ) . ولما كان الحب يجلب الفرح، فحب المسيح للزوجين يؤتيهما الفرح والغبطة . وكذلك حب الزوجين المتبادل ينجم عنه الفرح المتواصل الذي ينشرانه في أفراد عائلتهما ومجتمعهما . وما أسمى الفرح في المجتمع ‍.

هذا وقد خلق الله الانسان ليعيش في هناء، وجمع الله بين قلبين محبين ليطفح فرحهما ويتزايد، وليهنأ في الحياة، والفرح الأصيل ينبع من الاتحاد بالله والعيش تحت كنفه .

التعاون بين الزوجين :

أراد الله أن تكون حواء عوناً لآدم، وهذا ماعنى به عندما قال : " لا يحسن أن يكون الانسان وحده، فأصنع له عوناً " ( تكوين 2: 18)

فالمرأة شريكة الرجل ويترتب على الاثنين مسؤوليات مشتركة، لتحقيق طبيعة الزواج، فيتعاون الزوجان في جميع مراحل حياتهما، في السرّاء والضرّاء، ليكتملا نفساً وجسماً، عقلاً وقلباً، روحاً وروحانية . كما أنهما يتعاونان في أمور المعيشة، وفي قضايا المنزل، وفي تربية بنيهما .

التحمل المتبادل :

لكل من الزوجين نفسيته وذوقه وتربيته وبيئته وطرق تفكيره ونعمة سر الزواج لا تغير نفسية وطباع كل من الزوجين، بل تقويهما كي يبديا مصلحة العائلة على كل اعتبار آخر، وتساعدهما على تحمل أحدهما الآخر، وعلى تجاوز الصعاب والمصائب بشجاعة وسخاء . فتزداد علاقتهما متانة، وينتصران، بعونه تعالى، على الأنانية .

واجبات الزوجين المتبادلة

" كونوا خاضعين بعضكم لبعض في مخافة المسيح " ( أفسس 5: 21 )

 

واجبات الرجل اتجاه امرأته :

" أيها الرجال أحبوا نسائكم كما أحب المسيح الكنيسة لقد بذل نفسه لأجلها ليقدسها …" ( أفسس 5: 24 ) .

وهذا يفترض أن للرجل المبادرة في الحب والخدمة والتضحية، كما بادر المسيح كنيسته في الحب والتضحية . ومحبة الرجل هي محبة خدمة لا محبة سيطرة . فلا بد للرجل أن يعامل زوجته باللطف واللين، لا بالخشونة والاستبداد والاستعلاء . وأن يعتبرها شريكة حياته، يكاشفها بأموره اليومية، فيربح ثقتها وحبها .ويترتب عليه أن يكون لها رفيقا مخلصاً يشاطرها أفراحها وأتراحها، ساعياً إلى تفهم طباعها، مراعياً شعورها واحساساتها . فيقدرها ويحترمها ويكرمها، كما يقدر نفسه ويحترمها ويكرمها . ويتوجب عليه أيضاً أن يكون لها مرشداً أميناً، ومدبراً حكيماً مضحياً براحته وذوقه، باذلاً كل نفيس لإسعادها .

واجبات المرأة تجاه رجلها :

" فأنتن، أيها النساء اخضعن لرجلكن كما للرب، لأن الرجل هو رأس الكنيسة، التي هي جسده وهو مخلصها، فكما تخضع الكنيسة للمسيح، كذلك فلتخضع النساء لرجالهن في كل شيء " ( أفسس 5: 22 ـ 24 ) .

فكما أن الكنيسة تتجاوب مع حب المسيح، وتخضع له وتبادله المحبة والعطاء، كذلك على المرأة أن تهب ذاتها لرجلها وتتجاوب معه . وهكذا يتبين لنا أن هذا الخضوع ليس خنوعاً ولا ذلاً، بل تبادل محبة، وحيث يسود الحب فلا إكراه ولا استبداد ولا استعلاء، بل خدمة في سبيل إذكاء جذوة الحب، وتنمية روح المشاركة في العمل، وخلق جو السلام والهناء .

وهكذا نستطيع أن نقول أن حب الزوج لرفيقته يساعدها على تحقيق ذاتها، كما أن تجاوب المرأة مع حب رفيقها وهبة ذاتها له يساعدها على تحقيق ذاتها . وبمقدار ما يتم ذلك يتم الهناء .

وعلى المرأة أن تستوثق من أنها لن تجد صداقة أمتن وإخلاصاً أكمل من صداقة رجلها وإخلاصه لها . فيجدر بها، محافظة على هنائها الشخصي والسلام العائلي، أن تضع ثقتها تامة في رجلها، فتتخذه صديقاً تستشيره بصراحة كلية في أمور حياتها وعائلتها . وتضحي بكل ما لديها لتكون لزوجها مساعدة تخفف الهدوء والاطمئنان والهناء .