كيف تعيش الأسرة المسيحية زمن الصوم ؟

الأب جورج سابا

مجلة الكلمة - عمّان  العدد 44 تش2/ك1 1991

 

ننشر مقالات الأب جورج سابا

وفاء لذكراه العطرة في النفوس

وعرفانا لما بذره خلال حياته الأرضية

في شخصه الأبوي

وقلمه السيّال الذي قدم خدمات لا تحصى لأسرته الكبيرة :

البطريركية اللاتينية - القدس وعمّان

يلتقي كل ما ورد ذكره في ذلك الصليب ، الذي يتراءى للبيت المسيحي، في جميع ايام الزمن الأربعيني ، والذي اليه يسير هذا البيت ، في كل من هذه الأيام ، لذلك كانت هذه زمنا خلقيا بوقفة طويلة أمام ما يوحي به سر الصليب.

1-

 .1 يسوع والصليب

  وجد يسوع في طريقه. فلم يرذله وانما تحدى توقع معاصريه من ابناء قومه، وتحدى عقلية اقرب الناس اليه من الرسل في جهلهم او تجاهلهم  لما  جاء عنه في الكتب. فأراد ان يمتد على الصليب بكل طوله كي يجري به عمل الفداء وان " يرفع" عليه. وفقا لتعبير القديس يوحنا في انجيله فيجذب اليه الناس اجمعين (32:12)وعلى الصليب، فدى يسوع البشرية الخاطئة بأعظم ذبيحة وبأعظم الآلام ، ليمجد الله أسمى تمجيد، وليظهر في أجلى نور حب الله للإنسان وثقل الخطيئة وجمال النعمة و ومعنى الحياة والحق ومنطق السماء والجحيم وليكن قدوة لنا وقوة في آلامنا.  

 .2 الصليب، منطلق البشارة المسيحية

في عرف القديس يوحنا ساعة الصليب هي "ساعة" يسوع. وان ما يعني هذا الصليب القائم بين الارض  والسماء بين الله والانسان بين الماضي والمستقبل والجامع في قلب المسيح المصلوب البشرية كلها، بخطاياها والامها وآمالها ورجائها، وقد كان وما تبعه من قيامة مطلع البشارة الانجيلية ونواة الانجيل .فان ما راح القديس بطرس والقديس بولس وسائر الرسل يعلنونه في اوراشليم وسائر المدن الامبراطورية هو تلك" الامور التي حدثت في اورشليم هذه الايام" اي ما حدث ليسوع الناصري: كيف اسلمه الاحبار والرؤساء ليحكم عليه بالموت ، وكيف صلبوه ( لوقا 20-18: 24)، وفقا لما قاله تلميذا عماوس ليسوع يوم الفصح. " ان يسوع الناصري .. الذي قتلتموه اذ علقتموه على خشبه ... قد أقامه الله..." هذا ما ورد في خطبة بطرس الأولى يوم العنصرة ( اعمال 24-22:2) . " ان اهل أورشليم ورؤساءهم. طلبوا الى بيلاطس ان يقتله... غير ان الله أقامه من بين الأموات " هذا ما جاء في عظة بولس في انطاكية بسيدية (اعمال 30-27:13).

 .3 الصليب، محور الايمان

في بيئة الصليب هذه، يقضي البيت المسيحي أيام الزمن الأربعيني . فمهما كان تحدي  الصليب للمعاصرين ،  ومهما كان تحديه للعالم منذ ألفي سنة، قسم البشرية موكبين: موكب الحب وموكب البغض وموكب الساجدين وموكب الثائرين الذين كثيرا ما تظهر ثورتهم بمظهر نوع من أنواع السجود- وقد نكون منهم- فان تحدى الصليب هو تحدى الحب :" ليس لأحد حب أعظم من ان يبذل نفسه في سبيل أحبائه" (يوحنا 13:15) : الحب إلى النهاية. من غير شرط عبر أعظم تضحية الحب الذي يجعلنا ننشد مع الكنيسة:" ايتها الخشبة الحلوة حاملة المسامير الحلوة والحمل الحلو انت وحدك قد كنت اهلا لان تحملي معك ملك السموات والرب".

وهكذا ، لن ينسى البيت المسيحي ان ديانة المسيح ديانة الحب والصليب يقوم في وسطها . انه يقوم وسط جميع العقائد وجميع أسرار الإيمان وكل الشريعة والحياة المسيحية. انه من وراء حياة اعظم ممثلين للحياة البشرية الفضلى: الشهداء والقديسين . مغيرا بذلك وجه العالم والتاريخ.

وفي هذا الضوء فالصليب من وراء الحضارة التي تدعى: حضارة الصليب والحب. ومن سنة الى سنة  ستسمع

في درب الالام اذا، في القدس او في كنيسة القرية او المدينة ينتقل البيت المسيحي من مرحلة الى مرحلة  متذكرا عبر كل مرحلة حب المسيح المتألم ، وموقف الانسان الخاطىء وهو اقرب ما يكون الى تلك التي في كل مرحلة نذكرها منشدين " ايتها الأم القديسة".

 الجموع تهتف وهم سجود يقبّلون المصلوب :"لصليبك، يا رب ، نسجد، ولقيامتك المجيدة نسبح واياها نعظم . فبهذه الخشبة شمل الفرح العالم كله."

               

 .4 درب الصليب

الا ان رؤية الصليب لا تجند كل سنة تأمل البيت المسيحي فحسب ، انها تهيب بهذا البيت الى السير في درب الصليب وراء ذلك الذي نحو ظهر يوم الجمعة الحزينة، رأته مدينة أورشليم يخرج " حاملا صليبه الى المكان المعروف بالجمجمة، ويقال له بالعربية جلجثه" ( يوحنا 17:19) وقد كشف تنقيب السنوات الأخيرة عن هويته. فمنذ ذلك اليوم وحتى اليوم راح المؤمنون باسم المسيح يقتفون آثاره في "درب الآلام" وكم هم القديسون الذين عبر القرون توالوا على هذه المسيرة؟ ومن في وسعه الا يذكر متأثرا البابا بولس السادس وهو يقطع " درب الصليب الملكية" وفقا للاقتداء بالمسيح ، في مساء الرابع من كانون الثاني 1964، بتواضع اقرب ما يكون الى تواضع المعلم الذي سبقه اليها؟

منذ القرن السادس عشر عرفت درب الالام بهذا الاسم، المنوط بالتعبد الذي نشأ أولا في الغرب، واستقر أخيرا على أربعة عشر مرحلة ولذلك نحو القرن السابع عشر. ومن هناك انتقل التعبد الى القدس في القرن الثامن عشر.

في درب الالام اذا، في القدس او في كنيسة القرية او المدينة ينتقل البيت المسيحي من مرحلة الى مرحلة  متذكرا عبر كل مرحلة حب المسيح المتألم ، وموقف الانسان الخاطىء وهو اقرب ما يكون الى تلك التي في كل مرحلة نذكرها منشدين " ايتها الأم القديسة".

              

 .5 هوذا عود الصليب

على هذا المنوال يصل البيت المسيحي، الى يوم الجمعة الحزينة.

وفي جو الجمعة الحزينة هذا الثقيل الشبيه بجو الموت والقبور، في يوم فدية العالم نرى الكاهن يحمل الصليب أمامنا ويدعونا للسجود للصليب، للشجرة التي تبارى الاباء منذ اقدم الايام بمدحها. فهذه الخشبة التي صدمت معاصري المسيح وأجيال المسيحية الأولى ، ما زالت تصدمنا ، في هذا اليوم، وتصدم كل ما فينا من كبرياء و تشتت ولا مبالاة. انها تحاول ان تصدم قلبنا ونحن نعانقها ونقبّلها وننظر مع النبي ، الى الذي طعنوه. فبينما نترنّم بعتاب يسوع لشعبه " ماذا صنعت بك؟" " اذا بمجد الصليب يتراءى لنا بغتة ، من وراء أجمل صرخة سمعت تحت سماء شرقنا ، و ترددت في طقوس شرقنا : " قدوس الله ، قدوس القوي ، قدوس الذي لا يموت ،ارحمنا ". فها هو يوم الرحمة.

2-

 .1 صليبه و صليبنا

كل هذا يحمل البيت المسيحي على الا يترك يسوع وحده وصليبه. فقد سبق يسوع ان قال يوما :"من اراد ان يتبعني ، فليزهد في نفسه، ويحمل صليبه ويتبعني" ( متى 24:16) فانما صليب يسوع يفتح انظار البيت المسيحي على صليبه هو، الصليب الذي لا تخلو منه الحياة. وفي الوقت عينه وفي الزمن الأربعيني بخاصة، يقف المرء أمام صليبه في ضوء صليب يسوع.

ما احقنا، والحالة هذه، بأن نستعيد بعض الآيات الواردة في الرسالة الى العبرانيين :" حق عليه ان يكون مشابها

سر الألم يجد سموّه عند أقدام المصلوب

 اخوته في كل شيء ليكون عظيم كهنته رحيما مؤتمنا عند الله، فيكفر خطايا الشعب، ولأنه قد ابتلي به هو نفسه بالالام ، فهو قادر على اغاثة المبتلين "( 18- 17:2) ." هو الذي ، في ايام حياته البشرية رفع الدعاء و الابتهال بصراخ شديد و دموع ذوارف الى الذي بوسعه ان يخلصه من الموت .. وتعلم الطاعة، وهو الابن بما عانى من الالم. ولما بلغ به الى الكمال صار لجميع الذين يطيعونه، سبب خلاص ابدي" (9-7:5) لنلق عنا كل عبء...، ولنخض بثبات ذلك الفراغ المعروض علينا ، محدّقين الى مبدأ ايماننا و متممه ، يسوع الذي تحمل الصليب مستخفا بالعار ، في سبيل الفرح المعروض عليه.. فكروا في ذاك الذي صبر على ما لقي من مخالفة الخاطئين ، لكيلا تخور هممكم بضعف نفوسكم" (3-1:12).

وان بعد امتزاج صليب يسوع بصليبنا لما تعود اليه آيات الكتاب :" اما كان يجب على المسيح ان يعاني تلك الالام ، فيدخل في مجده؟" (لوقا 26:24)، " كما تفيض علينا آلام المسيح، فكذلك بالمسيح يفيض عزاؤنا ايضا" (2 قورينتوس 5:1) ." وقد امتلأت بالعزاء، وفاض قلبي فرحا في شدائدنا كلها" (4:7) " اذا شاركناه في الامه ، نشاركه في مجده ايضا " ( رومه 17:89 ) . "افرحوا بقدر ما تشاركون المسيح في الامه ، حتى اذا تجلى مجده كنتم في فرح وابتهاج" ( 1 بطرس 13:4) .

وأخيرا، فالبيت المسيحي مدعو الى ان يحقق عمليا الاية التي بها يختم القديس يوحنا رواية الآلام: " سينظرون الى من طعنوا" (19:37).

 

 .2 في أعقاب البابا يوحنا بولس الثاني: المعنى المسيحي للألم البشري

ومع هذا، فان البيت امسيحي حتى في الزمن الاربعيني هو ينظر الى المسيح المتألم ، قد يتساءل عن الألم؟ لماذا الألم؟ اي معنى له؟

ان البابا يوحنا بولس الثاني ، في اليوم الحادي عشر من شهر شباط سنة1984 سنة يوبيل الفداء الذي تم عبر صليب المسيح والامه ، اتحف الكنيسة برسالة طويلة في " المعنى المسيحي للألم البشري". وقد لا يخلو من فائدة ان يستعيد البيت المسيحي هنا خواطر عابرة وردت في الرسالة:

" لقد تم ما جاء في الكتب : تمت نهائيا اقوال نشيد عبد الرب المتألم: " والرب رضي ان يسحقه بالعاهات" ( اشعيا 10:53). وان الالم البشري ادرك قمته في الام المسيح. وفي الوقت عينه، كان دخوله بعدا جديدا بكماله ونظاما جديدا ، انه اصبح ذا صلة بالحب ، الحب الذي عليه كلم المسيح نيقوديموس، الحب الذي يوجد كل ما هو خير، عبر انواع الألم، على غرار الخير الاسمى الذي يقوم في فداء العالم عبر صليب المسيح، ومن الصليب يستمد دوما اصله . لقد اصبح صليب المسيح المنبع الذي منه تجري انهار من الماء الحي" ( يوحنا 38:7) ، لذلك في الصليب نكشف معنى الالم (18).

... " هذا معنى الالم . انه امر فائق الطبيعة حقا، وفي الوقت نفسه انساني . فهو فائق الطبيعة لأنه يتأصل في سر فداء العالم الالهي. وهو انساني، لأن الشخص يكتشف في الالم نفسه وانسانيته ومنزلته ورسالته ان الألم جزء من سير الانسان . قد لا يكون الالم مدمجا كالانسان في هذا السر الذي لا يمكن سبر غوره . لكن المجمع الفاتيكاني الثاني صرح قائلا :" هو سر الكلمة المتجسد الذي يضفي نورا على سر الانسان ... وان لغز الحزن والموت ليتجلى معناه عبر المسيح وفي المسيح". ان سر فداء العالم طريقا عجيبا متأصلا في الألم وهذا الألم بدوره يجد في سر الفداء مرجعا ساميا أكيدا ... ومع مريم، الواقفة عند صليب يسوع نقف عند جميع صلبان الانسان المعاصر" ( 31 ، الخاتمة).

 

 .3  العطف الالهي على المتألمين والمرضى

ان هذه الآفاق السامية تفتح تأمل البيت المسيحي على عطف المسيح على المتألمين و المرضى. وهنا أعود بالقارئ الى بعض الخواطر التي تتصدّر الرتبة الجديدة لسرّ مسحة المرضى:

" كانت اسقام البشر وآلامهم ، وما تزال في جملة المشكلات المستعصية، التي تساورهم وتقلقهم. لذلك جاء المسيح يعطف على المرضى ، وكثيرا ما التقاهم وعادهم وابرأهم ودعاهم الى احتمال المرض لما فيه من قيمة لخلاصهم وخلاص العالم.

ان المسيح الذي لم يعرف الخطيئة، قد حقق ما انبأ به اشعيا عن الجروح التي ستخثنه. فشارك بذلك البشر ما يتواتر عليهم من الآلام . وما برح ، حتى الآن يصلب ويتوجع فينا، نحن المتلوين مثله من شدة العذاب . ومن هنا ندرك انه ، ولو كانت العلة منوطة بواقع الانسان الخاطيء فانها ليست في كثير من الاحيان عقابا للخطيئة. بل شدة خفيفة، عابرة تعد لنا قدرا فائقا ابديا من المجد الابدي ( 2 قورنتس 17:4) . وهذا ما يحدونا الى ان نتم في جسدنا ما نقص من الام المسيح ، فدية للعالم(عن قولسي 24:1).

وان الشهادة، التي على المرضى ان يؤدوها في كنيسة المسيح هي ان يدعو الناس الى الاهتمام بالامور العلوية الخالدة ذاكرين ان سر موت المسيح وقيامته هو سر خلاص للحياة الدنيا الزائلة.

وان ما للمرض من قيمة روحية لا يعني التغاضي عما يوصي به الرب مرارا في الانجيل المقدس من وجوب تفقد المرضى وزيارتهم تشديدا لاجسادهم وانعاشا لارواحهم . ويظهر حرص الرب هذا خاصة في انشائه سر مسحة المرضى . وقد اعتمدت الكنيسة رسالة القديس يعقوب للصلاة على المرضى ودهنهم، لعل الرب المتألم والممجد يعزيهم ويخلصهم ويعافيهم".

وسنعود في فصل آخر ، الى مواصلة الكلام على المرض وما يدور حوله.

 

3-

 .1 " وصلب عنا "

هذا ما نقوله عندما نقوم ونتلو قانون الايمان ، بعد ان نعلن ايماننا "بالذي، من اجلنا ومن اجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد..." فعندما يتهيأ البيت المسيحي في هذا الزمن المقدس للاستماع يوم الجمعة العظيمة، الى نبؤة اشعيا عن عبد الرب المتألم ، الذي "طعن بسبب معاصينا، وسحق بسبب آثامنا" (5:53) يدرك آنذاك اننا نحن الذين قتلوه ان الخطيئة هي التي نصبت صليب الكفارة وتعويض الجلال الإلهي المهان.

وهكذا ففي هذا الزمن بخاصة يدعى البيت المسيحي الى اكتشاف مرض من نوع آخر ، مرض روحي تعانيه النفس من جراء خطيئة لا يخلو منها إنسان، والى الشعور بحاجة الى العلاج والشفاء . وعليه، فهذا الزمن هو ، في الطليعة زمن التوبة والمصالحة.

 

  .2  زمن التوبة والمصالحة

ان الصليب الذي نحتفل ، كل يوم جمعة من هذا الزمن "برياضة دربه" والذي ينتظرنا في آخر مطافنا الأربعيني ، قد أوحى منذ القدم ، بان يكون الزمن الأربعيني زمن التوبة وفقا لاول كلمة تفوّه بها يسوع بعد صومه الأربعيني : " توبوا وآمنوا بالانجيل".

ان هذه التوبة في معناها الاصلي ، تدعو الى التمهل والوقوف والسكوت والتفكير، انها ترمي الى مراجعة

التوبة ... مصالحة

 للحياة، الى التجديد والتغير والتطوير في الشعور والحكم والحياة الى هجر الانسان العتيق ولبس الجديد الى الانتقال من الحياة القديمة والعودة الى الشباب المتجدد . الا ان الزمن الاربعيني لا يقتصر على وجه التوبة هذا، بل يحدو ابناء الكنيسة الى القيام باعمال التوبة جماعية ظاهرة، لا عن مراءاة فريسية بل اعلانا رسميا لتوبتهم العميقة مبنيا على اعتقادهم ان " التلميذ ليس افضل من معلمه" وبانه يلزم ان يسيروا خطاهم هم الخطأة على خطي المسيح المتألم والمصلوب.

اجل ، مهما تقلبت الايام ومهما طرأ من تطور على العقلية فان " الصليب لا يزال واقفا بينما تتخبط المسكونة " وفقا لشعار رهبان الماضي . وما برح الصليب يظهر لنا بمظهر دعوة صارخة الى التوبة.

 

 .3 مع الوثائق الكنسية

ويناسب جدا ، والحالة هذه، ان نذكر هنا ما جاء في مختلف الوثائق الكنسية المعاصرة في شأن الخطيئة والتوبة والمصالحة:

في الكرازة، يجب العمل على تلقين المؤمنين الى جانب ما للخطيئة من عواقب اجتماعية ، طابع التوبة الخصوصي الذي يبعث على مقت الخطيئة بصفة كونها اهانة لله ويجب عدم اغفال دور الكنيسة في شأن التوبة والحث الشديد على الصلاة من أجل الخطأة (دستور الليتورجية المقدسة 109ب).

يجب الا تكون التوبة في الزمن الاربعيني، باطنية وفردية فحسب بل ظاهرة وجماعية ايضا، ويجب ان تمتد الى اعمال الرحمة وخير الاخوة (الدستور المذكور 110 : كتاب الحبريات 251).

ويوصي المؤمنون باشتراك اكثر نشاطا واثمارا في ليتورجية الزمن الاربعيني واحتفالات التوبة . ويحرّضون بخاصة على التقرب من سر التوبة في الزمن الاربعيني وفقل لشريعة الكنيسة ةتقاليدها حتى ينعموا بافراح قيامة الرب بقلوب مطهرة . ويناسب جدا في هذا الزمن اقامة سر التوبة (المرجع المذكور 251).

اكثر الازمنه ملاءمة للاحتفال بسر التوبة فترة الزمن الاربعيني . فمنذ يوم اربعاء الرماد تدوى دعوة الكنيسة الصارخة بشعب الله :" توبوا وآمنوا بالانجيل" من المناسب تنظيم احنفالات توبة في الزمن الاربعيني بحيث يجد كل مؤمن فرصة لمصالحة الله والاخوة ، كي يحتفل بعد ذلك في قلب متجدد بالثلاثية الفصحية حيث يذكر موت الرب وقيامته (رتبة سر التوبه في الترجمة العربية39)

ويناسب اقامة احتفالات التوبة مع الاعتراف الفردي على ما هو مذكور في رتبة سر التوبة (من رقم 104 حتى 119) وذلك يوم تقام ممارسة درب الصليب او مع هذه الممارسة نفسها.

وفي الرتبة المذكورة احتفالات جماعية مختلفة بالتوبة : توبة القديس بطرس – رجوع الابن الضال الى ابيه- التطويبات الانجيلية – احتفال للصغار.

 

  .3  التوبة والاعتراف الى الكنيسة في الإنجيل المقدس:

" توبوا وآمنوا بالنجيل" ( مرقس 15:1) " ها هي الكلمة التي افتتح المسيح بها رسالته. وبها تبدو الدعوة الى التوبة منوطة بانجيل الملكوت اي بالكنيسة. وفي هذا الضوء ها هي الموهبة الفصحية الكبرى: " في مساء يوم الاحد ( الفصح) جاء يسوع ووقف بين التلاميذ ونفخ فيهم وقال لهم " خذوا الروح القدس. من غفرتم لهم خطاياهم تغفر لهم ، ومن امسكتم عليهم الغفران يمسك عليهم" ( يوحنا 20:22-23). ويذكرنا هذا الكلام بما كان الرب قاله لبطرس :" سأعطيك مفاتيح ملكوت السموات . فما ربطته في الارض ربط في السماوات ، وما حللته في الأرض حلّ في السماوات" (متى 16:19) . ويفيدنا القديس لوقا ان المسيح القائم اسند الى الرسل ان يعلنوا " باسمه التوبة وغفران الخطايا لجميع الامم" ( لوقا 24:47).

هكذا " خّول يسوع المسيح الرسل وخلفاءهم السلطان لغفران الخطايا . وبذلك انشأ في الكنيسة سر التوبة حتى يتمكن المؤمنون الذين يخطئون بعد العماد من مصالحة الله باسترجاع نعمته".

 

 .  لماذا الاعتراف الى الكنيسة؟

الكنيسة ام تلازم ابناءها طوال ايام حياتهم . فانها تعمدهم عند مجيئهم الى العالم ثم تثبتهم في كل مسيرتهم الارضية تناولهم خبز الحياة. وفي منعطف حاسم من العمر تبارك أزواجهم او تبارك تكريسهم للرب . واذا ما دخلوا في مراحل خطيرة تمسحهم بزيت المرضى. وعندما تدنو ساعة الوفاة تقف الى جانبهم لكي يرقدوا في المسيح وسط جو من الصلاة والنعمة.

وعليه فكيف تفارق الكنيسة ابناءها عندما يمرضون بالخطيئة " وهي التي تمرض في اعضائها"؟ " ان الذين يقبلون على سر التوبة يصيبون من رحمة الله مغفرة اهانتهم له وفي الوقت عينه يصالحون الكنيسة التي جرحوها بخطيئتهم والتي بمحبتها ومثالها وصلاتها تسعى سعيا حثيثا في سبيل توبتهم "( نور الشعوب 11).

 

  .5  سمو الاعتراف للكنيسة

ان الاعتراف يعزز معرفة الانسان الحق لذاته وينعش التواضع المسيحي ويعمد الى استئصال الميول الرديئة ويحارب الاهمال الروحي والفتور وينقي السريرة ويشدد العزيمة وينمي النعمة بفضل الارشاد الروحي ونعمة السر"( البابا بيوس 12).

الاعتراف الى الكاهن اعترافا منفردا يعدّ ينبوعا للنعمة والسلام و مدرسة للحياة المسيحية وسندا لا يقربه سند للإنسان في سلوكه سبيل الدنيا المؤدي الى الشهادة الابدية.

لنرجع الى محكمة التوبة . انها محكمة قاسية، ولكنها في الوقت عينه ملجأ مستحب والأمن والاطمئنان والحياة والنهوض الروحي ووسيلة رفيعة الشأن لتجديد الحياة المسيحية، والعزاء الخفي الطافح من الإنجيل المقدس" ( البابا بولس 6).

 

 .6  "  انا احلك..."

والان فها هي صورة الحلة الجديدة الغارقة في سر الثالوث وفي السر الفصحي تقدم للبيت المسيحي بغية ان يجد في كل كلمة منها ما يدعو الى تعظيم سر التوبة والى جعل هذا السر سر الرجاء.

" الله الآب الرحيم ، الذي صالح العالم بموت ابنه وقيامته وأفاض روحه القدوس لمغفرة الخطايا يمنحك ، على يد الكنيسة الغفران والسلام. وانا احلك من خطاياك باسم الاب، والابن والروح القدس".

 

الخاتمة

بسر التوبة والمصالحة تظهر الرعية المسيحية بمظهر الرعية التائبة والبيت المسيحي بمظهر البيت التائب . وبذلك يتم استعدادها الاخير للثلاثية الفصحية وفصح الرب ومما يضفي ضوءا أخيرا على هذه المرحلة ما جاء في رتبة التوبة الجديدة:

على التائب وقد نال غفران خطاياه وأشاد بفضل الله ان يواصل سلوك سبيل الارتداد معبرا عن ذلك بحياة تتجدد وفقا لإنجيل المسيح ومحبة لله دائبة الانتعاش لأن المحبة تستر كثيرا من الخطايا ( 1 بطرس 4:8) .

" بسر التوبة يحتضن الآب الابن التائب العائد اليه، ويحمل المسيح على كتفيه الخروف الضال ويرجعه الى الحظيرة ويجدد الروح القدس هيكله، او يكثف فيه حضوره. ويتجلى كل ذلك أخيرا في العوده والجلوس البهيج على مائدة الرب حيث يطفح الفرح من كنيسة الله احتفاء بالابن القادم من بعيد" (لوقا 15).

" يكون سر الخلاص هذا ذا فائدة عظمى للمؤمنين بقدر ما يمدّ تأثيره الى جميع مناحي حياتهم ويدفعهم الى ان يزدادوا اقبالا على خدمة الله وخدمة الأخوة ويكونوا روّاد عدالة وسلام  للعالم".